الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي
{فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة} قرأ عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم: {الصعقة} بغير ألف، وقرأ الباقون {الصاعقة} بالألف وهما لغتان.{وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ} وذلك أنهم لما هلكوا جعل موسى يبكي ويتضرّع ويقول: يا ربّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم ولو شئت أهلكتهم من قبل، ويا ربّي {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهآء مِنَّآ} [الأعراف: 155] فلم يزل يناشد ربّه حتى أحياهم الله تعالى جميعاً رجلا بعد رجل ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون، فذلك قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُم} أحييناكم {مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ} لتستوفوا بقيّة آجالكم وأرزاقكم، وأصل البعث: إثارة الشيء من مكمنه.يقال: بعثت البعير، وبعثت النائم فانبعث.{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام} في التيه تقيكم حرّ الشمس، وذلك أنّهم كانوا في التّيه ولم يكن لهم كنّ يسترهم فشكوا ذلك إلى موسى، فأنزل الله عليهم غماماً أبيضاً رقيقاً وليس بغمام المطر بل أرقّ وأطيب وأبرد والغمام: ما يغمّ الشيء أي يستره وأظلّهم فقالوا: هذا الظّل قد جعل لنا فأين الطعام، فأنزل الله عليهم المنّ.واختلفوا فيه، فقال مجاهد: وهو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار وطعمه كالشهد.الضحّاك: هو الطرنجبين.وقال وهب: الخبز الرّقاق. السدي: عسل كان يقع على الشجر من الليل فيأكلون منه.عكرمة: شيء أنزله الله عليهم مثل الزّيت الغليظ، ويقال: هو الزنجبيل.وقال الزجاج: جملة المنّ ما يمنّ الله مما لا تعب فيه ولا نصب.وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الكماة من المنّ وماءوها شفاء للعين».وكان ينزل عليهم هذا المنّ كل ليلة تقع على أشجارهم مثل الملح، لكلّ إنسان منهم صاع كل ليلة قالوا يا موسى: مللنا هذا المنّ بحلاوته، فادع لنا ربّك أن يطعمنا اللحم، فدعا عليه السلام، فأنزل الله عليهم السلوى.واختلفوا فيه، فقال ابن عباس وأكثر المفسرين: هو طائر يشبه السّماني.أبو العالية ومقاتل: هو طير أحمر، بعث الله سحابة فمطرت ذلك الطير في عرض ميل وقدر طول رمح في السماء بعضه على بعض.عكرمة: طير يكون بالهند أكبر من عصفور، المؤرّخ: هو المعسل بلغه كنانه.وقال شاعرهم: وكان يرسل عليهم المنّ والسلوى، فيأخذ كل واحد منه ما يكفيه يوماً وليلة، وإذا كان يوم الجمعة أخذ ما يكفيه ليومين لأنّه لم يكن ينزل إليهم يوم السبت، فذلك قوله: {وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى كُلُواْ} أي وقلنا لهم كلوا.{مِن طَيِّبَاتِ} حلالات. {مَا رَزَقْنَاكُمْ} ولا تدّخروا لغد فخبأوا لغد فقطع الله عزّ وجلّ ذلك عنهم ودوّد وفسد ما ادّخروا، فذلك قوله عزّ وجلّ {وَمَا ظَلَمُونَا} ضرّونا بالمعصية.{ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} يصرّون باستيجابهم عذابي وقطع مادة الرزق الذي كان ينزّل عليهم بلا كلفة ولا مؤونة، ولا مشقّة في الدنيا، ولا تبعه ولا حساب في العقبى.خلاس بن عمرو عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا بني إسرائيل لم يخنز الطعام ولم يخبث اللّحم، ولولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها».{وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هذه القرية} ابن عباس: هي أريحا وهي قرية الجبّارين، وكان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة ورأسهم عوج بن عناق، وقيل: هي بلقا.وقال ابن كيسان: هي الشام.الضّحاك: هي الرّملة والاردن وفلسطين وتدمر.مجاهد: بيت المقدس. مقاتل: إيليا.{فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً} موسعاً عليكم.{وادخلوا الباب} يعني باباً من أبواب القرية وكان لها سبعة أبواب.{سُجَّداً} منحنين متواضعين وأصل السجود الخضوع.قال الشاعر: وقال وهب: قيل لهم ادخلوا الباب، فاذا دخلتموه فاسجدوا شكراً لله عزّ وجلّ، وذلك أنّهم أذنبوا بإبائهم دخول أريحا، فلما فصلوا من التيه أحبّ الله عزّ وجلّ أن يستنقذهم من الخطيئة.{وَقُولُواْ حِطَّةٌ} قال قتادة: حطّ عنّا خطايانا وهو أمرٌ بالاستغفار.وقال ابن عباس: يعني لا اله الاّ الله؛ لأنّها تحطّ الذنوب، وهي رفع على الحكاية في قول أبي عبيدة.وقال الزجاج: سألتنا حطّة.{نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} وقرأ أهل المدينة بياء مضمومة وأهل الشام بتاء مضمومة.{وَسَنَزِيدُ المحسنين} إحساناً وثواباً والسلام.{فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ} أنفسهم بالمعصية، وقيل كفروا.وقال مجاهد: كموطيء لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم، فلم يخفضوا ولم يركعوا ولم يسجدوا، فدخلوا مترجعين على أشباههم.{قَوْلاً} يعني وقالوا قولا. {غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ} وذلك إنّهم أُمروا أن يقولوا {حطّة} فقالوا: (حطا) [.....] يعنون حنطه حمراء استخفافاً بأمر الله.{فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزاً} عذاباً {مِّنَ السمآء} وذلك أنّ الله تعالى أرسل الله عليهم ظلمة وطاعوناً فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفاً.{بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} يعني يلعبون ويخرجون من أمر الله عزّ وجلّ.
{وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ وَاحِدٍ} الآية، وذلك أنهم ملّوا المنّ والسلوى وسئموها. قال الحسن: كانوا نتانى أهل كراث وأبصال وأعداس فنزعوا إلى عكرهم عكر السوء، واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عاداتهم عليه، فقالوا: لن نصبر على طعام واحد وكفّوا عن المنّ والسلوى، وإنما قالوا {واحد} وهما اثنان؛ لأن العرب تعبّر عن اثنين بلفظ الواحد، وبلفظ الواحد عن الاثنين كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} [الرحمن: 22]، وإنما يخرجان من المالح منهما دون العذب.وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كانوا يعجنون المنّ والسلوى فيصير طعاماً واحداً فيأكلونه.{فادع} فسأل وادعِ. {لَنَا} لأجلنا. {رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرض مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا} قراءة العامة بكسر القاف.وقرأ يحيى بن وثاب، وطلحة بن مصرف، والأشيب العقيلي: وقثائها بضم القاف، وهي لغة تميم.{وَفُومِهَا}: قال ابن عباس: الفوم: الخبز، تقول العرب: فوّموا لنا، أي اختبزوا لنا.عطاء وأبو مالك: هو الحنطة وهي لغة قديمة، قال الشاعر: [.....]: هو الحبوب كلّها.الكلبي والنضر بن شميل والكسائي والمعرّج: هو الثوم، وأنشد المعرّج لحسّان: يعني الثوم والبصل؛ فالعرب تعاقب بين الفاء والثاء فتقول للصمغ العرفط: مغاثير ومغافير، وللقبر جدف وجدث، ودليل هذا التأويل أنها في مصحف عبد الله: وثومها.{وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} عن الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالعدس فإنّه مبارك مقدّس وإنه يُرقق القلب ويُكثر الدمعة، وإنه بارك فيه سبعون نبياً آخرهم عيسى عليه السلام».فقال لهم موسى عند ذلك: {أَتَسْتَبْدِلُونَ} وفي مصحف أُبيّ: أتبدلون.{الذي هُوَ أدنى} أخس وأردى.حكى الفراء عن زهير العرقي: إنه قرأ {أدناء} بالهمزة، والعامة على ترك الهمزة، وقال بعض النحاة: هو أدون فقدّمت النون وحوّلت الواو ياء كقولهم: أولى من الويل.{بالذي هُوَ خَيْرٌ} أشرف وأفضل، ومعناه: أتتركون الذي هو خير وتريدون الذي هو شر، ويجوز أن يكون هذا الخير والشر منصرفين إلى أجناس الطعام وأنواعه، ويجوز أن يكونا منصرفين إلى اختيار الله لهم، واختيارهم لأنفسهم.{اهبطوا مِصْراً} يعني فإن أبيتم إلاّ ذلك فاهبطوا مصراً من الأمصار، ولو أراد مصر بعينها لقال: {مصر} ولم يصرفه كقوله: {ادخلوا مِصْرَ إِن شَآءَ الله} [يوسف: 99] وهذا معنى قول قتادة.الضحاك: هي مصر موسى وفرعون.وقال الأعمش: هي مصر التي عليها صالح بن علي ودليل هذا القول: قراءة الحسن وطلحة: {مصر} بغير تنوين جعلاها معرفة، وكذلك هو في مصحف عبدالله وأُبيّ بغير ألف، وإنّما صرف على هذا القول لخفّته وقلّة حروفه مثل: دعد وهند وحمل ونحوها. قال الشاعر: {فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ} من نبات الأرض.{وَضُرِبَتْ} جُعلت. {عَلَيْهِمُ} وألزموا. {الذلة} الذل والهوان. قالوا: بالجزية، يدل عليه قوله: {حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وقال [.....]: هو الكستيبنج وزنة اليهودية.{والمسكنة} يعني ذي الفقر. فتراهم كأنّهم فقراء وأن كانوا مياسير، وقيل: المذلة وفقر القلب فلا يرى في أهل الملل أذل ولا أحرص على المال من اليهود، والمسكنة مفعلة من السكون، ومنه سُميّ الفقير مسكيناً لسكونه وقلّة حركاته. يُقال: ما في بني فلان أسكن من فلان، أي أفقر.{وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ الله} أي رجعوا في قول الكسائي وغيره. أبو روق: استحقوا والباء صلة.أبو عبيدة: احتملوا وأقرّوا به، ومنه الدعاء المأثور: (أبوء بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت)، وغضب الله عليهم: ذمّهُ لهم وتوعّده إياهم في الدنيا، وإنزال العقوبة عليهم في العقبى، وكذلك بغضه وسخطه.{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله} بصفة محمد صلى الله عليه وسلم وإنه الرحيم في التوراة والإنجيل والفرقان.{وَيَقْتُلُونَ} قراءة العامة بالتخفيف من القتل، وقرأ السّلمي بالتشديد من التقتيل.{النبيين} القراءة المشهورة بالتشديد من غيرهم، وتفرّد نافع بهمز النبيين، ومدّه فمن همز معناه: المخبر، من قول العرب: أنبأ النبي أنباءاً، ونبّأ ينبيء تنبئة بمعنى واحد، فقال الله عزّ وجلّ: {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هذا} [التحريم: 3] ومن حذف الهمز فله وجهان: أحدهما: إنه أراد الهمز فحذفه طلباً للخفّة لكثرة استعمالها، والوجه الآخر: أن يكون بمعنى الرّفيع مأخوذ من النبؤة وهي المكان المرتفع، يقال: نبيء الشيء عن المكان، أي ارتفع.قال الشاعر: وفيه وجه آخر: قال الكسائي: النبي بغير همز: الطريق، فسمّي الرسول نبياً، وإنما دقائق الحصا لأنّه طريق إلى الهدى، ومنه قول الشاعر: ومعنى الآية: ويقتلون النبيّين.{بِغَيْرِ الحق} مثل أشعيا وزكريا ويحيى وسائر من قتل اليهود من الأنبياء، وفي الخبر: إنّ اليهود قتلوا سبعين نبياً من أوّل النهار في ساعة واحدة، فقام مائة رجل واثنا عشر رجلاً من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعاً من آخر النهار في ذلك اليوم.{ذلك بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} يتجاوزون أمري ويرتكبون محارمي.{إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ} يعني اليهود، واختلف العلماء في سبب تسميتهم به. فقال بعضهم: سمّوا بذلك لأنهم هادوا أي تابوا من عبادة العجل، كقوله أخباراً عنهم: {إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ} [الأعراف: 156].وأنشد أبو عبيدة: أي تائب.وقال بعضهم: لأنّهم هادوا أي مالوا عن الإسلام وعن دين موسى. يُقال: هاد يهود هوداً: إذا مال. قال امرؤ القيس: أي إليها مائل.وقال أبو عمرو بن العلاء: لأنّهم يتهوّدون أي يتحرّكون عند قراءة التوراة، ويقولون: إنّ السموات والأرض تحرّكت حين أتى الله موسى التوراة.وقرأ أبو السمّاك العدوي واسمه قعنب: هادَوا بفتح الدال من المهاداة، أي مال بعضهم إلى بعض في دينهم.{والنصارى} واختلفوا في سبب تسميتهم بهذا الاسم، فقال الزهري: سمّوا نصارى لأنّ الحواريّين قالوا: نحن أنصار الله.مقاتل: لأنّهم تولوا قرية يُقال لها: ناصرة، فنُسبوا إليها.وقال الخليل بن أحمد: النصارى: جمع نصران، كقولهم: ندمان وندامى.وأنشد: فنسبت فيه ياء النسبة كقولهم لذي اللحية: لحياني، ورقابي لذي الرقبة.فقال الزجاج: يجوز أن يكون جمع نصري كما يُقال: بعير حبري، وإبل حبارى، وإنما سمّوا نصارى لاعتزائهم إلى نصرة وهي قرية كان ينزلها عيسى وأمّه.{والصابئين} قرأ أهل المدينة بترك الهمزة من الصّابئين والصّابئون الصّابين والصّابون في جميع القرآن، وقرأ الباقون بالهمز وهو الأصل، يُقال: صبا يصبوا صبوءاً، إذا مال وخرج من دين إلى دين.قال الفرّاء: يُقال لكل من أحدث ديناً: قد صبأ وأصبأ بمعنى واحد، وأصله الميل، وأنشد: واختلفوا في الصّابئين من هم:قال عمر: هم طائفة من أهل الكتاب ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب، وبه قال السدي.وقال ابن عباس: لا تحل ذبائحهم ولا مناكحة نسائهم.وقال مجاهد: هم قبيلة نحو الشّام بين اليهود والمجوس لا دين لهم.وقال السدي: هم طائفة من أهل الكتاب، وهو رأي أبي حنيفة.وقال قتادة ومقاتل: هم قوم يقرّون بالله عزّ وجلّ، ويعبدون الملائكة، ويقرأون الزبور ويصلّون إلى الكعبة، أخذوا من كل دين شيئاً.الكلبي: هم قوم بين اليهود والنصارى، يحلقون أوساط رؤوسهم ويُحبّون ذاكرهم.عبد العزيز بن يحيى: درجوا وانقرضوا فلا عين ولا أثر.{مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر} اختلفوا في حكم الآية ومعناها، ولهم فيها طريقان:أحدهما: إنّه أراد بقوله: {إِنَّ الذين آمَنُواْ} على التحقيق وعقد التصديق، ثم اختلفوا في هؤلاء المؤمنين من هم؟ فقال قوم: هم الذين آمنوا بعيسى ثم لم يتهوّدوا ولم يتنصّروا ولم يصبئوا، وانتظروا خروج محمد صلى الله عليه وسلم.وقال آخرون: هم طلاّب الدين، منهم: حبيب النجّار، وقيس بن ساعدة، وزيد بن عمرو ابن نفيل، وورقة بن نوفل، والبراء السّندي، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، ويحيى الراهب، ووفد النجاشي. آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، فمنهم من أدركه وتابعه، ومنهم من لم يدركه.وقيل: هم مؤمنو الأمم الماضية.وقيل: المؤمنون من هذ الأُمة.{والذين هَادُواْ} يعني الذين كانوا على دين موسى عليه السلام ولم يبدّلوا ولم يغيّروا.{والنصارى}: الذين كانوا على دين عيسى عليه السلام ولم يبدّلوا وماتوا على ذلك.قالوا: وهذان اسمان لزماهم زمن موسى وعيسى عليهما السلام، حيث كانوا على الحق فبقي الاسم عليهم كما بقي الإسلام على أمّة محمد صلى الله عليه وسلم والصابئين زمن استقامتهم من آمن منهم أي مات منهم وهو مؤمن؛ لأنّ حقيقة الإيمان المؤاخاة.قال: ويجوز أن تكّون الواو فيه مضمراً: أي ومن آمن بعدك يا محمد إلى يوم القيامة.والطريق الآخر: إنّ المذكورين في أول الآية بالإيمان إنّما هو على طريق المجاز والتسّمية دون الحكم والحقيقة، ثمّ اختلفوا فيه:فقال بعضهم: إنّ الذين آمنوا بالأنبياء الماضين والكتب المتقدمة ولم يؤمنوا بك ولا بكتابك.وقال آخرون: يعني به المنافقين أراد: إنّ الذين آمنوا بألسنتهم ولم يؤمنوا بقلوبهم، ونظير هذه الآية قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ آمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} [النساء: 136]، والذين هادوا: أي اعتقدوا اليهودية وهي الدين المبدّل بعد موسى عليه السلام، والنصارى: هم الذين اعتقدوا النصرانية والدّين المبدّل بعد عيسى، والصابئين: يعني أصناف الكفّار من آمن بالله من جملة الأصناف المذكورين في الآية.وفيه اختصار وإضمار تقديره: من آمن منهم بالله واليوم الآخر؛ لأنّ لفظ (من) يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث.قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [الأنعام: 25] {وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} [يونس: 43] {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: 42]. قال: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ} [الأحزاب: 31]، وقال الفرزدق في التشبيه: {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فيما قدّموا.{وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما خلّفوا، وقيل: لا خوف عليهم بالخلود في النار، ولا يحزنون بقطيعه الملك الجبّار، ولا خوف عليهم من الكبائر وإنّي أغفرها، ولا هم يحزنون على الصغائر فأنّي أكفّرها.وقيل: لا خوف عليهم فيما تعاطوا من الإجرام، ولا هم يحزنون على ما اقترفوا من الآثام لما سبق لهم من الإسلام الآثام.
|